الجزائر “عملاق الطاقة الشمسية النائم”.. فمتى يستيقظ
تستعد الجزائر لإطلاق مشاريع ضخمة للطاقات المتجددة التي بقي الاعتماد عليها وإنتاجها هامشيا، رغم تصنيف البلاد كعملاق نائم للطاقة الشمسية يتوفر على أكبر حقل شمسي في العالم، ما يؤهلها حسب مراقبين لتصبح مركزا رائدا للطاقات النظيفة، وموردا هاما لإنعاش اقتصاد البلاد وتنويعه وخلق مناصب العمل.
ووفق الوكالة الدولية للطاقة فإن الجزائر تتوفر على أكبر حقل شمسي في العالم من حيث عدد ساعات سطوع الشمس في السنة، إذ تفوق 2000 ساعة في السنة، حسب إحصائية نشرتها محافظة الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية (CERFE)، ما يجعل من الجزائر بمثابة “العملاق النائم للطاقة الشمسية”.
وإضافة للطاقة الشمسية فإن الجزائر تتوفر على خزان حقيقي للطاقات الأحفورية (التقليدية) على غرار النفط والغاز،إضافة لكونها ثالث احتياطي عالمي من الغاز والبترول الصخريين (الشيست)، حسب الوكالة الدولية للطاقة.
لأول مرة… وزارة للانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة
ولأول مرة في الجزائر تم إقرار وزارة كاملة للطاقات المتجددة في التعديل الحكومي الذي أجراه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في 23 جوان 2020.
وتم تعيين شمس الدين وزيرا للطاقات المتجددة والانتقال الطاقوي، بعد أن شغل قبلها منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ثم خلفه بن عتو زيان في جويلية 2021 (حكومة أيمن بن عبد الرحمن).
في هذا السياق ورد في وثيقة تمثل خارطة الطريق لوزارة الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، صدرت في جويلية 2021، اطلعت “الشروق” على نسخة منه، أن السلطات تستهدف إنتاج 1000 ميغاواط من الكهرباء من مصادر نظيفة معظمهما من الطاقة الشمسية خلال العام الجاري (2021).
وبالعودة للوثيقة ذاتها، فإن خارطة طريق المخطط الوطني للطاقات المتجددة تستهدف بلوغ إنتاج 15 ألف ميغاواط من الكهرباء النظيفة (مصادر متجددة انطلاقا من محطات شمسية، وتوفير استهلاك 400 مليون متر مكعب من الغاز سنويا، وتقليص انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بـقدر بـ 1.5 مليون طن في السنة.
وتبرز سياسة خلق مناصب الشغل في خارطة طريق وزارة الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، إذ تشير نفس الوثيقة، إلى أن كل 1000 ميغاواط من الكهرباء المنتجة من محطات شمسية، ستساهم في خلق 4500 وظيفة مباشرة.
هل تٌخرج شراكة سوناطراك-سونلغاز المناقصات من الأدراج على الواقع؟
وأطلقت وزارة الطاقة مناقصات دولية في ماي 2020 لإنجاز محطات شمسية لإنتاج الكهرباء عبر 10 ولايات، لإنتاج 4000 ميغاواط ما بين العام 2020 و2024، ضمن مشروع حمل تسمية “تافوك 1”.
واستنادا لما أعلنت عنه وزارة الطاقة حينها فإن المشروع يتطلب استثمار مبلغ يتراوح ما بين 3.2 و3.6 مليار دولار، ومن المنتظر أن يستحدث 56 ألف منصب شغل خلال مرحلة البناء و2000 وظيفة أثناء مرحلة الاستغلال.
وأشار المصدر إلى أن المحطات التي ستنجز والتي سيتم توزيعها على 10 ولايات، تستدعي تعبئة مساحة إجمالية تقدر بنحو 6.400 هكتار تقريبا.
وأعلنت وزارة الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة في مارس 2021، عن مناقصة لإنتاج 10 محطات لإنتاج الكهرباء انطلاقا من الطاقة الشمسية عبر 10 ولايات جنوبية، بطاقة إنتاج تقدر بـ 100 ميغاواط لكل محطة.
ووافقت جمعية العامة غير عادية لشركتي سوناطراك وسونلغاز، شهر أفريل 2021، على إنشاء شركة مختلطة مناصفة بين المجمعين، لأول مرة في تاريخ الجزائر، ستسند لها مهمة تنفيذ البرنامج الوطني للطاقات المتجددة.
وحسب بيان لوزارة الطاقة أعقب الاجتماع فإن هذه الشركة ستعمل تحت إشراف وزارة الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة.
ويأمل متابعون أن تعطي هذه الشركة المختلطة المتخصصة في الطاقات المتجددة دفعة للبرنامج الوطني، بالنظر إلى حجم المساهمين فيها وهما شركتا سوناطراك وسونلغاز، إضافة للخبرة والإطار البشري الذي تتوفر عليه الشركتان، وإمكانية تفعيل المناقصات التي تم الإعلان عنها على أرض الواقع وإخراجها من الأدراج.
الخبير توفيق حسني: بهذه الإجراءات سيستيقظ العملاق النائم
في هذا السياق يرى خبير الانتقال الطاقوي والطاقات المتجددة، توفيق حسني، أن استيقاظ العملاق العالمي النائم للطاقة الشمسية الذي هو الجزائر، وجب أن تتوفر له جملة من الشروط العملية والتنظيمية.
وأوضح خبير الطاقات المتجددة توفيق حسني في تصريح لـ “الشروق”، أن سياسة دعم الطاقة في الجزائر تعتبر من أبرز الأسباب التي كبحت تطور هذا القطاع وجعلت الاعتماد عليه يبقى محتشما، موضحا أن المستهلك لا يمكنه شراء طاقة بسعر أغلى وهو يتوفر على بديل بسعر أقل (الطاقة المدعمة من طرف الدولة).
ويعتقد محدثنا أن تطوير قطاع الطاقات المتجددة وخصوصا الشمسية يجب أن يرتكز على محورين أساسيين، الأول على مستوى الإنتاج الفردي من طرف المواطنين، والثاني على مستوى المحطات الكبرى من طرف الشركات.
في هذا الشق، يشرح حسني أنه على السلطات المضي بسرعة نحو الشبكات الذكية للكهرباء، بحيث يمكن للمواطن ضخ إنتاجه من على سطح المنزل (الألواح الشمسية) عندما يكون لديه فائض، في الشبكة الوطنية، ويتم الفوترة عبر عداد ذكي معد خصيصا لهذا الغرض، وعندما لا يكون الإنتاج لدى المواطن كافيا فهو يستهلك من الشبكة الوطنية وهكذا.
ولفت المتحدث إليه أن هذه النمط بحاجة لنصوص ومواد قانونية لتوضيح وتسهيل تطبيقه وتفادي الوقوع في خلافات وإشكاليات بين المواطن والشركة الوطنية للكهرباء.
وفيما يتعلق بتطوير الطاقة الشمسية على مستوى محطات الانتاج الكبرى، أوضح الخبير توفيق حسني، أن السلطات مدعوة لأن تتضمن مناقصات المشاريع التي يعلن عنها، نظاما هجينا لإنتاج الكهرباء يمزج ما بين الكهروضوئي والحراري.
وحسبه فإن هذا النظام الهجين يعتمد على الإنتاج من خلال الألواح الشمسية الكهروضوئية، من جهة والتسخين الحراري من جهة أخرى وإنتاج الكهرباء عبر التوربينات البخارية.
ويعتقد حسني أن جعل 20 بالمائة من إنتاج هذه المحطات عبر الألواح الكهروضوئية، و80 بالمائة المتبقية عبر التسخين الحراري، سيكون الإنتاج وفيرا وبدون انقطاع، وتصديره إلى أوربا حينها ودول الجوار سيكون تحصيل حاصل.